فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما حكى عن أهل الجاهلية إقدامهم على الحكم في دين الله بغير حجة ولا دليل، حكى عنهم عذرهم في كل ما يقدمون عليه من الكفريات، فيقولون: لو شاء الله منا أن لا نكفر لمنعنا عن هذا الكفر، وحيث لم يمنعنا عنه، ثبت أنه مريد لذلك فإذا أراد الله ذلك منا امتنع منا تركه فكنا معذورين فيه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن المعتزلة زعموا أن هذه الآية تدل على قولهم في مسألة إرادة الكائنات من سبعة أوجه:
فالوجه الأول: أنه تعالى حكى عن الكفار صريح قول المجبرة وهو قولهم: لو شاء الله منا أن لا نشرك لم نشرك، وإنما حكى عنهم هذا القول في معرض الذم والتقبيح، فوجب كون هذا المذهب مذمومًا باطلًا.
والوجه الثاني: أنه تعالى قال: {كَذَّبَ} وفيه قراءتان بالتخفيف وبالتثقيل.
أما القراءة بالتخفيف فهي تصريح بأنهم قد كذبوا في ذلك القول، وذلك يدل على أن الذي تقوله المجبرة في هذه المسألة كذب.
وأما القراءة بالتشديد، فلا يمكن حملها على أن القوم استوجبوا الذم بسبب أنهم كذبوا أهل المذاهب، لأنا لو حملنا الآية عليه لكان هذا المعنى ضدًا لمعنى الذي يدل عليه قراءة {كَذَّبَ} بالتخفيف، وحينئذ تصير إحدى القراءتين ضدًا للقراءة الأخرى، وذلك يوجب دخول التناقض في كلام الله تعالى، وإذا بطل ذلك وجب حمله على أن المراد منه أن كل من كذب نبيًا من الأنبياء في الزمان المتقدم، فإنه كذبه بهذا الطريق، لأنه يقول الكل بمشيئة الله تعالى، فهذا الذي أنا عليه من الكفر، إنما حصل بمشيئة الله تعالى، فلم يمنعني منه، فهذا طريق متعين لكل الكفار المتقدمين والمتأخرين في تكذيب الأنبياء، وفي دفع دعوتهم عن أنفسهم، فإذا حملنا الآية على هذا الوجه صارت القراءة بالتشديد مؤكدة للقراءة بالتخفيف ويصير مجموع القراءتين دالًا على إبطال قول المجبرة.
الوجه الثالث: في دلالة الآية على قولنا قوله تعالى: {حتى ذَاقُواْ بَأْسَنَا} وذلك يدل على أنهم استوجبوا الوعيد من الله تعالى في ذهابهم إلى هذا المذهب.
الوجه الرابع: قوله تعالى: {قُلْ هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فتخرجوه لَنَا} ولا شك أنه استفهام على سبيل الإنكار، وذلك يدل على أن القائلين بهذا القول ليس لهم به علم ولا حجة، وهذا يدل على فساد هذا المذهب، لأن كل ما كان حقًا كان القول به علمًا.
الوجه الخامس: قوله تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} مع أنه تعالى قال في سائر الآيات: {إَنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} [يونس: 36].
والوجه السادس: قوله تعالى: {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} والخرص أقبح أنواع الكذب، وأيضًا قال تعالى: {قُتِلَ الخارصون} [الذاريات: 10].
والوجه السابع: قوله تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة} وتقريره: أنهم احتجوا في دفع دعوة الأنبياء والرسل على أنفسهم بأن قالوا: كل ما حصل فهو بمشيئة الله تعالى، وإذا شاء الله منا ذلك، فكيف يمكننا تركه؟ وإذا كنا عاجزين عن تركه، فكيف يأمرنا بتركه؟ وهل في وسعنا وطاقتنا أن نأتي بفعل على خلاف مشيئة الله تعالى؟ فهذا هو حجة الكفار على الأنبياء، فقال تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة} وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أنه تعالى أعطاكم عقولًا كاملة، وأفهامًا وافية، وآذانًا سامعة، وعيونًا باصرة، وأقدركم على الخير والشر، وأزال الأعذار والموانع بالكلية عنكم، فإن شئتم ذهبتم إلى عمل الخيرات، وإن شئتم إلى عمل المعاصي والمنكرات، وهذه القدرة والمكنة معلومة الثبوت بالضرورة، وزوال الموانع والعوائق معلوم الثبوت أيضًا بالضرورة، وإذا كان الأمر كذلك كان ادعاؤكم أنكم عاجزون عن الإيمان والطاعة دعوى باطلة فثبت بما ذكرنا أنه ليس لكم على الله حجة بالغة! بل لله الحجة البالغة عليكم.
والوجه الثاني: أنكم تقولون: لو كانت أفعالنا واقعة على خلاف مشيئة الله تعالى، لكنا قد غلبنا الله وقهرناه، وأتينا بالفعل على مضادته ومخالفته، وذلك يوجب كونه عاجزًا ضعيفًا، وذلك يقدح في كونه إلهًا.
فأجاب تعالى عنه: بأن العجز والضعف إنما يلزم إذا لم أكن قادرًا على حملهم على الإيمان والطاعة على سبيل القهر والإلجاء، وأنا قادر على ذلك وهو المراد من قوله: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} إلا أني لا أحملكم على الإيمان والطاعة على سبيل القهر والإلجاء، لأن ذلك يبطل الحكمة المطلوبة من التكليف، فثبت بهذا البيان أن الذي يقولونه من أنا لو أتينا بعمل على خلاف مشيئة الله، فإنه يلزم منه كونه تعالى عاجزًا ضعيفًا، كلام باطل فهذا أقصى ما يمكن أن يذكر في تمسك المعتزلة بهذه الآية.
والجواب المعتمد في هذا الباب أن نقول: إنا بينا أن هذه السورة من أولها إلى آخرها تدل على صحة قولنا ومذهبنا، ونقلنا في كل آية ما يذكرونه من التأويلات وأجبنا عنها بأجوبة واضحة قوية مؤكدة بالدلائل العقلية القاطعة.
وإذا ثبت هذا، فلو كان المراد من هذه الآية ما ذكرتم، لوقع التناقض الصريح في كتاب الله تعالى فإنه يوجب أعظم أنواع الطعن فيه.
إذا ثبت هذا فنقول: إنه تعالى حكى عن القوم أنهم قالوا: {لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا} ثم ذكر عقيبه {كذلك كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} فهذا يدل على أن القوم قالوا لما كان الكل بمشيئة الله تعالى وتقديره، كان التكليف عبثًا، فكانت دعوى الأنبياء باطلة، ونبوتهم ورسالتهم باطلة، ثم إنه تعالى بين أن التمسك بهذا الطريق في إبطال النبوة باطل، وذلك لأنه إله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا اعتراض عليه لأحد في فعله، فهو تعالى يشاء الكفر من الكافر، ومع هذا فيبعث إليه الأنبياء ويأمره بالإيمان، وورود الأمر على خلاف الإرادة غير ممتنع.
فالحاصل: أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم يتمسكون بمشيئة الله تعالى في إبطال نبوة الأنبياء، ثم إنه تعالى بين أن هذا الاستدلال فاسد باطل، فإنه لا يلزم من ثبوت المشيئة لله في كل الأمور دفع دعوة الأنبياء، وعلى هذا الطريق فقط سقط هذا الاستدلال بالكلية، وجميع الوجوه التي ذكرتموها في التقبيح والتهجين عائد إلى تمسككم بثبوت المشيئة لله على دفع دعوة الأنبياء، فيكون الحاصل: أن هذا الاستدلال باطل، وليس فيه ألبتة ما يدل على أن القول بالمشية باطل.
فإن قالوا: هذا العذر إنما يستقيم إذ قرأنا قوله تعالى: {كذلك كَذَّبَ} بالتشديد.
وأما إذا قرأناه بالتخفيف، فإنه يسقط هذا العذر بالكلية فنقول فيه وجهان.
الأول: أنا نمنع صحة هذه القراءة، والدليل عليه أنا بينا أن هذه السورة من أولها إلى آخرها تدل على قولنا: فلو كانت هذه الآية دالة على قولهم، لوقع التناقض، ولخرج القرآن عن كونه كلامًا لله تعالى، ويندفع هذا التناقض بأن لا تقبل هذه القراءة، فوجب المصير إليه.
الثاني: سلمنا صحة هذه القراءة لكنا نحملها على أن القوم كذبوا في أنه يلزم من ثبوت مشيئة الله تعالى في كل أفعال العباد سقوط نبوة الأنبياء وبطلان دعوتهم، وإذا حملناه على هذا الوجه لم يبق للمعتزلة بهذه الآية تمسك ألبتة، والحمد لله الذي أعاننا على الخروج من هذه العهدة القوية، ومما يقوي ما ذكرناه ما روي أن ابن عباس قيل له بعد ذهاب بصره ما تقول فيمن يقول: لا قدر، فقال إن كان في البيت أحد منهم أتيت عليه ويله أما يقرأ {إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بِقَدَرٍ} [القمر: 49] {إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الموتى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءاثَارَهُمْ} [ياس: 12] وقال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم، قال له اكتب القدر، فجرى بما يكون إلى قيام الساعة، وقال صلوات الله عليه: «المكذبون بالقدر مجوس هذه الأمة». اهـ.
قال الفخر:
زعم سيبويه أن عطف الظاهر على المضمر المرفوع في الفعل قبيح، فلا يجوز أن يقال: قمت وزيد، وذلك لأن المعطوف عليه أصل، والمعطوف فرع، والمضمر ضعيف، والمظهر قوي، وجعل القوي فرعًا للضعيف، لا يجوز.
إذا عرفت هذا الأصل فنقول: إن جاء الكلام في جانب الإثبات، وجب تأكيد الضمير فنقول: قمت أنا وزيد، وإن جاء في جانب النفي قلت ما قمت ولا زيد.
إذا ثبت هذا فنقول قوله: {لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا} فعطف قوله: {وَلاَ آبَاؤُنَا} على الضمير في قوله: {مَا أَشْرَكْنَا} إلا أنه تخلل بينهما كلمة لا فلا جرم حسن هذا العطف.
قال في جامع الأصفهاني: إن حرف العطف يجب أن يكون متأخرًا عن اللفظة المؤكدة للضمير حتى يحسن العطف ويندفع المحذور المذكور من عطف القوي على الضعيف، وهذا المقصود إنما يحصل إذا قلنا: {مَا أَشْرَكْنَا نَّحْنُ وَلا ءآبَاؤُنَا} حتى تكون كلمة {لا} مقدمة على حرف العطف.
أما هاهنا حرف العطف مقدم على كلمة {لا} وحينئذ يعود المحذور المذكور.
فالجواب: أن كلمة {لا} لما أدخلت على قوله: {ءآبَاؤُنَا} كان ذلك موجبًا إضمار فعل هناك، لأن صرف النفي إلى ذوات الآباء محال، بل يجب صرف هذا النفي إلى فعل يصدر منهم، وذلك هو الإشراك، فكان التقدير: ما أشركنا ولا أشرك آباؤنا، وعلى هذا التقدير فالإشكال زائل. اهـ.

.قال السمرقندي:

{سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ} مع الله: {لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا} يعني: ولا أشرك آباؤنا، ولكن شاء لنا ذلك وأمرنا به {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شيء} أي: من هذه الأشياء.
ويقال: مذهبهم مذهب الجبرية.
قال الله تعالى: {كذلك كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني: الأمم الخالية كذبوا رسلهم كما كذبك قومك.
وإنما كذبهم الله لأنهم قالوا ذلك على وجه السخرية لا على وجه التحقيق كما قال المنافقون: نشهد أنك لرسول الله فكذبهم الله في مقالتهم، لأنهم قالوا على وجه السخرية.
ثم قال: {حتى ذَاقُواْ بَأْسَنَا} يعني: الأمم الخالية أتاهم عذابنا فهذا تهديد لهم ليعتبروا.
ثم قال: {قُلْ} يا محمد لهم قل: {هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ} يعني: بيان من الله: {فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} فبينوه لنا بتحريم هذه الأشياء التي كانوا يحرمونها، ثم بيّن الله أنهم قالوا ذلك بغير حجة وبيان فقال: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} يعني: ما تقولون إلا بالظن من غير يقين وعلم {وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ} يعني: قل لهم ما أنتم إلا تكذبون على الله. اهـ.

.قال الثعلبي:

{سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ} لمّا الزمنا بينهم الحجّة وتبيّنوا وتيقنوا باطل ما كانوا عليه {لَوْ شَاءَ الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا} ما حرّمنا من التغاير والسوايب وغير ذلك لأنَّه قادر على أن يحمل بيننا وبين ذلك حتّى لا نفعله ولكنّه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الأصنام وتحريم الحرث والأنعام وأراد منّا وأمرنا به فلم يحل بيننا وبين ذلك فقال الله تعالى تكذيبًا لهم وردًّا عليهم {كذلك كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِم} ولو كان كذلك خيرًا من الله تعالى عن مَنْ كذّبهم في قولهم: {لَوْ شَاءَ الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا} لقال كذلك (كذّب الذين من قبلهم) بتخفيف الذال وكان نسبهم إلى الكذب لا إلى التكذيب.
وقال الحسن بن الفضل: لمّا خبّروا بهذه المقالة تعظيمًا وإجلالا لله سبحانه وتعالى وصفة منهم به لمّا عابهم ذلك، لأن الله قال: {وَلَوْ شَاءَ الله مَا أَشْرَكُواْ} وقال سبحانه: {مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله} وقال: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} والمؤمنون يقولون هذا ولكنّهم قالوا ذلك تكذيبًا وتخرصًا وبدلًا من غير معرفة بالله تعالى وبما يقولون نظيره قوله: {وَقَالُواْ لَوْ شَاءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 20]، قال الله تعالى: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الزخرف: 20] بقولهم هذا من غير علم بيّنهم بآية: {وَالْمُؤْمِنُونَ} وبقوله و{عِلْمٍ} منهم بالله عزّ وجلّ ثمّ قال: {هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ} من حظ وحجّة على ما يقولون من غير علم ويقين {وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} تكذّبون. اهـ.

.قال ابن عطية:

{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا}
أخبر الله عز وجل نبيه عليه السلام: أن المشركين سيحتجون لصواب ما هم عليه من شركهم وتدينهم بتحريم تلك الأشياء بإمهال الله تعالى وتقريره حالهم وأنه شاء غير ذلك لما تركهم على تلك الحال.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وبين أن المشركين لا حجة لهم فيما ذكروه لأنّا نحن نقول: إن الله عز وجل لو شاء ما أشركوا ولكنه عز وجل شاء إشراكهم وأقدرهم على اكتساب الإشراك والمعاصي ومحبته والاشتغال به ثم علق العقاب والثواب على تلك الأشياء والاكتسابات، وهو الذي يقتضيه ظواهر القرآن في قوله: {جزاء بما كانوا يكسبون} [التوبة: 82-95] ونحو ذلك، ويلزمهم على احتجاجهم أن تكون كل طريقة وكل نحلة صوابًا، إذ كلها لو شاء الله لم تكن.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقال بعض المفسرين: إنما هذه المقالة من المشركين على جهة الاستهزاء، وهذا ضعيف، وتعلقت المعتزلة بهذه الآية فقالت: إن الله قد ذم لهم هذه المقالة وإنما ذمها لأن كفرهم ليس بمشيئة الله تعالى بل هو خلق لهم.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وليس الأمر على ما قالوا، وإنما ذم الله تعالى ظن المشركين أن ما شاء الله لا يقع عليه عقاب وأما أنه ذم قولهم: لولا المشيئة لم نكفر فلا، ثم قال: {كذلك كذب الذين من قبلهم} وفي الكلام حذف يدل عليه تناسق الكلام، كأنه قال: سيقول المشركون كذا وكذا وليس في ذلك حجة لهم، ولا شيء يقتضي تكذيبك ولكن {كذلك كذب الذين من قبلهم} بنحو هذه الشبهة من ظنهم أن ترك الله لهم دليل على رضاه بحالهم، وفي قوله: {حتى ذاقوا بأسنا} وعيد بيّن، وليس في الآية رد منصوص على قولهم: لو شاء الله ما أشركنا، وإنما ترك الرد عليهم مقدرًا في الكلام لوضوحه وبيانه، وقوله: {ولا آباؤنا} معطوف على الضمير المرفوع في {أشركنا} والعطف على الضمير المرفوع لا يرده قياس، بخلاف المظنون، لكن سيبويه قد قبح العطف على الضمير المرفوع، ووجه قبحه أنه لما بني الفعل صار كحرف من الفعل فقبح العطف عليه لشبهه بالحرف، وكذلك كقولك: قمت وزيد، لأن تأكيده فيه يبين معنى الاسمية، ويذهب عنه شبه الحرف، وحسن عند سيبويه العطف في قوله: {وما أشركنا ولا آباؤنا} لما طال الكلام، ب {لا}، فكان معنى الاسمية اتضح واقتضت- لا ما يعطف بعدها وقوله تعالى: {قل هل عندكم من علم} الآية: المعنى قل يا محمد للكفرة: هل عندكم من علم من قبل الله تعالى فتبينوه حتى تقوم به الحجة، و{من} في قوله: {من علم} زائدة مؤكدة وجاءت زيادتها لأن الاستفهام داخل في غير الواجب، {إن تتبعون إلا الظن} أي لا شيء عندكم إلا الظن وهو أكذب الحديث. وقرأ جمهور الناس: {تتبعون} على المخطابة، وقرأ النخعي وإبراهيم وابن وثاب: {إن يتبعوا} بالياء حكاية عنهم.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذه قراءة شاذة يضعفها قوله: {وإن أنتم} و{تخرصون} معناه: تقدرون وتظنون وترجمون. اهـ.